رسائل الكاتبة //حنان قباني العقاد مقالات ومقامات رائعة

سأبدأ كتابةَ سلسلةٍ من الرّسائل، موقَّعةً باسم Judy Abbott بوحيٍ مِنَ المسلسلِ الكرتونيّ الذي رافقني في طفولتي، وأثَّر بي ..
تجدرُ الإشارةُ إلى أنّ الروايةَ My Daddy Long Legs للكاتبة الإنجليزية أليس جين تشاندر ويبستر ، وهي من وحي الخيال، صدرت عام 1912 ..

ستكونُ الرسائلُ من وحي الواقع، وسأحاولُ جاهدةً ألّا أُطيلَ، ليتمتّعَ القارىء بها،ويستنبط المغزى وهو مستمتع..
أتمنى لكم قراءةً ممتعةً !

الرّسالةُ الأولى :

عزيزي يا صاحبَ الظِّلِّ الطّويلِ ...
مرّ وقتٌ طويلٌ منذُ آخرِ حديثٍ لنا، لكنه مرَّ بطيئاً ...
ما زلتُ أنتظرُ تحقيق الوعد ...مع أني قلتُ لكَ بأنّني لا أُطالبُكَ بأيّ التزامٍ فيما بعد، فأنا أُدركُ تماماً كيف تتغيّرُ الظّروفُ، وتتأرجحُ موازينُ القِوى، فتَتَقوّضُ الوعودُ، وتندثرُ الآمالُ !!!

لكنّي -بعد هذا - أَتسلَّحُ بالحُلُمِ وبالحِلْمِ ..لا تنسى أنّي قلتُ لكَ بأنّ هناك مُهَلٌ لكل عملٍ نرغبُ إنجازَه ...
إنّ العمرَ لا ينتظرُ ،و الوقتَ لا يتوقّفُ، بل يمشي جارفاً معه كلَّ مَنْ في الطّريقِ ،وما على جنَباتِ الطّريق ...
سأبقى أنتظرُ ....

Judy Abbott
HANAN
4/11/2023
رسائلٌ إلى صاحب الظّلّ الطّويل ...
الرّسالةُ الثّانية :

عزيزي يا صاحبَ الظِّلِّ الطّويل..
أنا هنا لأُشاركَكَ بعضاً من يوميّاتي، في الجُزء الّذي لا أتحفّظُ عليه ..
أنا لا أعلمُ حقّا ما المغزى وراء من يصوّرون موائدَهم العامرةَ بالأطايبِ، فيما ترزخُ طبقةٌ ليست بالقليلةِ، عند خطّ الجوعِ أو تحتَه !...
يرمون بطعامٍ ما زال قابلا ً للاستهلاك، وتتلقَّفُه أفواهُ المشرّدين منتهيَ الصّلاحية 😔 ...
لكني سأتجاوز أمرَ الصّوم ومعناه الجوهريّ لأخبرَك التّالي:

في الأسبوع الفائت أكلتُ ثلاثةَ أيام ٍ متواليةٍ طبقَ المجدّرة* مع سلطة الخسّ، والبندورة، والخِيار😋 ..
وفي الأيّام الثّلاثِ التّاليةِ، أكلتُ البطاطا المسلوقةَ، وأنا صائمة ..
أنا لا أخبرُكَ بهذا لتُشفقَ عليّ، فأنا في أحسن ِ الأحوالِ قد أكلتُ حبّةَ البطاطا نظيفةً، وطبقَ السَّلطةِ مع زيتِ الزّيتون، وكان حظّي مُطعّماً بالبرتقالِ، والتّفّاح، والجزرِ !

نعم ، لقد كان حظّي أوفرَ من حظّ الفتاة الّتي رأيتُها في بِرميل القُمامة- حدثَ فعلاً- وهي تخرُجُ بحبّةِ بطاطا متعفّنةٍ، أو بقايا طبخةٍ ما لتسُدَّ جوعَها...

لقد كانتْ جميلةً جِدّاً جِدّاَ، لكنّ الفَقرَ وسّخَ ثيابَها الّتي رُبّما لا تملكُ غيرَها !!!!

في المرّةِ القادمةِ سأُخبرُكَ عن ابنِ الرئيس...

Judy Abbott
HANAN
4/13/2023

رسائلٌ إلى صاحب الظل الطويل..
الرسالة الثّالثة:

عزيزي يا صاحبَ الظٍّلِّ الطَّويلِ ...

أنا لا أعلمُ من أين جاءَ بعضُ العامَّةِ برأيٍ جاحدٍ عن أولادِ المسؤولين !!! فهم يعتبرونَهم أبناءَ الرّفاهيةِ التي دفع ثمنُها الشّعبُ، وأبناءَ الموائدِ العامرةِ، وفسادِ البَلاطِ السياسيّ، أو المَلَكيّ 🤷‍♀️..
هذه حالاتٌ فرديّةٌ، ولا تصُحُّ قاعدةً دوماً🤔....فلا أحدُ مِنّا يريد لابنِه أنْ يكون فاسداً، أو سارقاً ...لكنْ بالتّأكيد مَنْ طلبَ الرّئاسةَ مارسَ السّياسةَ 🤷‍♀️...

ابنُ الرّئيسِ الّذي أعرفُهُ، شابٌّ وسيمٌ، بهيُّ المُحيّا، كريمُ الأخلاق ِ كاسمِهِ ...
أولادُ المسؤولينَ أيضاً -كأولادِنا- قد يدرسونَ اختصاصاً يتنافى ورغباتِهم، وهم أيضاً- كأولادِنا- لا يستطيعونَ قولَ (لا) في مرحلةٍ ما 😔...
إنّهم يعانونَ مِنَ الحرصِ الزائدِ على سلامتِهم ،والّذي يمنعُهم مِنَ التّمتّع ببعضِ جوانبِ الحياةِ بشكلٍ طبيعيٍّ !

ابنُ الرّئيسِ هذا، لطيفٌ كالنّسمةِ، فيهِ وَداعةُ الحِملانِ، لكنّّه يَقِظُ الحواسِ والضّميرِ ، ولاحقاً سأخبرُك لمَ، وكيف...
تخيّل أنّه يناديني ب(خالتووو)؟ ..في بدايةِ تعارُفِنا، شكَكْتُِ للحظةٍ أنه -(قد)- يعتبِرُني متصابيةً، لكنّهُ غلَّفَ هذا بالاحترامِ، والأدبِ الشّديدَيْن !!!

طلبَ منّي صورةً لوَلَديَّ، لكنّي اعتذرتُ ،وقلتُ له أنّ علاقتي بهما تفوقُ أيّةَ علاقةٍ، وأنا أحترمُ رغبتَهما بعدَمِ نشر صورِهما ،حتّى لو لم يعلما..👌
وعدتُهُ بأن أعودَ إليهما لطلبِ الإذنِ في ذلك ..

أتعلمُ يا صاحبَ الظّلّ الطّويل؟؟
لقد احترمَ رغبتي ...هو حقّاً ابنُ عالَمٍ وأُناسٍ محترمَيْن 🙏!

في المرّةِ القادمةِ، سأُخبرُكَ شيئاً عن حياةِ النّساء🙃...

Judy Abbott
HANAN
4/14/2023

رسائلٌ إلى صاحبِ الظِّلِّ الطَّويل...
الرّسالةُ الرّابعةُ:

عزيزي يا صاحبَ الظِّلِّ الطَّويل ...
لقد وعدتُك أن أخبركَ شيئاً عن النّساء 🤗..
قالوا قديماً:" أنّ المرأة َ كالبلّلور" ! وأنا أفهمُ هذا كالتّالي: عليها أنْ تكونَ ملمَّعةً مِنَ الدّاخل، ومن الخارج 👌..
قد تكون حياةُ المرأة-وأقصدُ بعض الممارسات المطلوبة- معقّدةً بعضَ الشّيء🤷‍♀️، ربّما حياةُ الرّجلِ أقلُّ تعقيداً 🤔 ..
وخاصّةً ما يتعلّقُ بالنّظافةِ، وأقصدُ النّظافةَ في كلِّ شيء 😉، فنزعُ الشَّعرِ مؤلم !!!

سأتحدّث الآن عنِ الخارج ...
لا يكفي أنْ تلبسَ المرأةُ ثوباً جميلاً يناسبُها، عليها أنْ تكمِلَ ذلك بتسريحةِ شَعرٍ ملائمةٍ، وبعضِ مستحضرات ِ التّجميلِ الّتي أراها ضروريّةً تبعاً للمناسبة...
قد لا يُحبُّ الرِّجالُ المُغالاةَ في هذا الأمرِ ،لكنّه بالتّأكيدِ مدعاةٌ للسُّرورِ عندهم، فهم يرغبونَ أنْ تتزيَّنَ النّساءُ من أجلهم 😊..

وبالعودةِ إلى نزعِ الشَّعرِ سأذكُرُ هذه القصّةَ على سبيلِ الطُّرفة، ربّما سمعتَ بها قبلا 🤔:
عادَ الزَّوجُ مِنْ عملِه، وجلسَ يتناولُ غداءَه، وما أنْ وضعَ ملعقةً من الأرزِّ المفلفَلِ في فمِه، حتّى استشاط َغضباً، وانفجَرَ بالسُّبابِ في وجهِ زوجتِه 😲...لقد كادتْ شعرةٌ أنْ تخنُقَه 🤦‍♀️...معه حقّ ..

فانزعجَتِ الزوجةُ، وتخاصما، ولم يتناولْ أيٌّ منهما طعامَ الغداء 😔...
وعند الّليلِ، أرادَها في فراشِه، فتذرّعتْ لأنّها مستاءةٌ منه، قائلةً: "لم أُنظّفْ نفسي، كلّي شَعرٌ 😏"!
فقالَ لها: "لا مشكلة"🤩..
قالت باستغرابٍ😲:"كيفَ لا مشكلةٌ وقد أقمتَ الدُّنيا وما أقعدْتَها من أجلِ شعرةٍ ظهرتْ في طبقِ الارزِّ ؟؟!!
فرَدَّ عليها بحُنُوٍّ :" اقتربي😍، وإنْ وجدتُ حبّةَ أرزٍّ واحدةٍ، فسيكونُ لي حديثٌ آخرُ 😉 ...
لعلّك تضحكُ الآن 🤗..
في المرّة ِ القادمةِ ،سأجدُ موضوعاً شَيّقاً أكتب ُ لك عنه ...
Judy Abbott
HANAN
4/15/2023


رسائل إلى صاحب الظّلّ الطّويل ..
الرسالة الخامسة :

عزيزي يا صاحب الظل الطويل..

هذه المرّة سأدّعي النّميمةَ🤦‍♀️، لكن ليس بقصْدِ الإساءةِ، وخلْقِ الشّكِّ، وسوءِ الظُّنون ...فإذا قالَ الرّاحلُ محمودُ درويش:"لا شيء َ يعجبُني"،سأقول أنا:"لا شيءَ يُزعجُني"..😊..

في عالِمنا الافتراضيِّ هذا- والّذي يقتربُ كثيراً من العالَمِ الواقعيِّ- يتشابَهُ البشرُ ،فالحاجاتُ الفطريّةُ والغريزيّة هي ذاتُها في العالَمَين ....
وما يُطلَبُ أو يُسألُ في العالَم الواقعيّ وجهاً لوجهٍ وبشكلٍ مباشَرٍ ،يُطلبُ هنا برسالةٍ مكتوبة 🤷‍♀️..

"لا شيءَ يزعجُني"..
إنها بعضُ الصُّور والفيديوهاتِ التي تُصنَّفُ إباحيّةً،لكنها ليست ضمن اهتماماتي !..
هي طبيعيّةٌ -موجودة في حيواتِنا- لكنّ مُرسليها لا يكترثون لاهتماماتِ المُرسَلِ لهم ..ليس الأمرُ محصوراً في الرّجالِ فقط، وبل في النّساءِ أيضاً 🙄..

لا يمكنُ أنْ أُقابلَ هذا بالتّجاهلِ، ولا بمجرّدِ حظر المتّصلِ أو المتّصلة.. ذات مرّةٍ قلتُ بكلماتٍ مُقَفّاةٍ -كوني أكتبُ الشِّعرَ :

أَيا مرسلَ ال🍌
وما كنتُ أرغبُهُ
قد أخطأَ العنوانُ
فيه مَنْ يطلبُهُ 🤣

وطالما نحنُ-رجالاً ونساءاً-من لحمٍ ودمٍ، فإنّنا متشابهون حُكْماً، تجمعُنا الغريزةُ، وتوحِّدُنا الفِطرةُ، وتفرّقُنا الاهتماماتُ ذاتُها 🤗...

" لا شيء يزعجُني"..وهذا مردُّه للقَدْرِ الكبيرِ من السّلامِ الدّاخليِّ الّذي أتمتّعُ به، والتّصالحِ مع الواقعِ، وتقبُّلِ الآخرَ ، على أنّه أفضلُ منّي ،أو أسوأُ منّي ...

وهذا التقبّلُ والتّصالحُ مع الذّاتِ أوّلاً، مصدرُهُ الصّبرُ ،الذي يأتي بتعويد النَّفْسِ عليه(جُهدٍ شخصيٍّ)، فلا يصُحُّ أنْ يمرَّ العمرُ دون أن نستفيدَ منه شيئاً ...💪

أنا لا أقولُ أنّ طاقتي على الاحتمالِ ليستْ محدودةً، لكنّني قادرةٌ على التّعامل مع الأمور ،و ربّما في حالةِ ترّقي أعلى تصبُحُ طاقتي لا محدودة ..🤔
هذا على فرضِ أنّ الإنسانَ يترّقى إذا اجتهد ...

قد لا أكتبُ إليكَ قريباً، لكنّني سأعودُ بموضوعٍ مثيرٍ ! إلى حينِهِ أتمنّى أنْ تكونَ مثلي لا شيء يزعجُكَ يا صاحب الظِّلِّ الطَّويل 😉..
4/16/2023
Judy Abbott
HANAN

رسائل إلى صاحب الظل الطويل..
الرسالة السادسة :

عزيزي يا صاحبَ الظِّلِّ الطّويل..
عُدْتُ إليكَ لأبادلكَ الرأي في أمرٍ من صُلب الأمور في حياتِنا، الصّراعُ بين الرّجل والمرأة على السُّلطة !

شخصياً -وهذا باتَ معروفاً عني- لا أُشجّعُ المساواةَ المطلَقةَ بين الجنسَين🤷‍♀️..ولا يجوز أن تكون العلاقةُ بينهما تناكفيّةً، إنّما تكامليّةٌ 👌..

ولا يجوزُ أنْ تتجاوزَ فيها المرأةُ حدودَ الطبيعة في كونها أنثى أولاً وأخيراً ..وأنها ترغبُ تماماً- كما يرغبُ الرَّجُلُ- أن تكونَ مملكتُها سريرٌ دافىءٌ، غطاءُه الأمان🥰..

المهم ..لقد قرأتُ منذ فترة منشوراً لأحد الأصدقاء، يقول فيه:أنّ المرأةَ أثبتتْ أنّها أصلح ُ مِن الرّجل في المواقعِ القياديّة ..وهو على هذا، فهو يرشّحها أن تكون رئيسةَ دولةٍ دوماً، وقد ردَّ هذا لكونها عاطفيّةً 🤔..

الحقّ أقولُ : "إنّ ما لا يرتاح له القلبُ ،لا يرتاحُ له العقل😇.والمرأةَ حقاً ليست ناقصةَ عقلٍ ودِينٍ بشكل اعتباطيّ، بل لأنّ تكوينَها الفيزيولوجيَّ (الجسديَّ)، والهرمونيَّ فَرَضا هذا" ..

وهذا لا يعني أيضاً، أنها لا تصلحُ لأنْ تكون في موقعٍ قياديّ في مختلف مجالات الحياة والمجتمع💪..

وإذا كان الأمر مرتبطاً بالعاطفةِ، فإنّي سأقول لهذا الصّديقِ: يكفي أن تأتي امرأةٌ رجُلاً قياديّاً ،وتلعبَ بشعره
ليصبحَ عاطفيّا😍..ألم ترى ما آلَ إليه بيل .كلين.تون عندما لعبتْ به مونيكا لوين.سكي؟ لقد أصبح (عاصفيّا)..الله أعلم بما لعبتْ 🤣..

إلى لقاءٍ قريب 🤗

4/19/2023
Judy Abbott
HANAN

رسائل إلى صاحب الظِّلّ الطّويل ..
الرّسالة السّابعة ...

عزيزي يا صاحب الظِّلِّ الطّويل ...

تستفزّني المنشورات المسيئة إلى أي ّ كان ..
وهنا يبرز على السّطح هذا التّشادّ بين الشقيقَين السّوري والّلبنانيّ ..
أنت تعرف أنّ لي رأياً سياسياً فيما يحدث ..

أولاً،في آداب التواصل لا يجوز هذا التّدني في المستوى من الكلام ..
كما لا يجوز أن يكون الخطاب تحفزيا ومستفزّا ، وهذا لمن استطاع كتم الغيظ ..فالكلُّ عندَه مبرّراته..

هذه الكراهية- ولن أُسمّيها عنصريّة- غذّتها ممارساتٌ فرديّةٌ قَبْلاً ،لا سياسيّة، فأغلبُ من يصلُ كرسيّاً سيستغلُّ الظرفَ، لكنّها- للأسف-أصبحت عادة ! ..

في الشّأنِ القوميّ، فإنّ الشّعبَين السّوري و الّلبناني، وكلَّ شعوبِ الدّولِ العربيّةِ أخوةٌ..
كلُّنا أهلٌ على امتدادِ الوطنِ العربيّ..
بلادُ الشّام كان لها المصيرُ الواحدُ ثُمّ تباعدتْ دولا ،كما دولِ الخليج، والإماراتِ الّتي تجزّأتْ ، ودولِ المغرب العربيّ الّتي أصبحت تونسَ، والجزائرَ، والمغرب ..

لا يجوز لأيّ دولة النّأي بالنّفس عما يحدث في العالم والوطن العربي ..
السّياسة في لبنان مرتبطةٌ بشكلٍ أساسيّ و وطيدٍ بالسياسةِ السّوريّة، وهذا ليس وليدَ مرحلةٍ أو لحظةٍ، فما زالت تجمعهما وحدةُ المصير ..
والحقيقة عندما كانت سوريا تحكم لبنان سياسياً كان الوضع أفضل، حتى مع بعض الفساد الذي ساد وقتها ..
الآن هذا الشغور الرئاسي والفراغ الذي تركه لبنان في الفضاء العربي والعالم في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية ساعد كثيرا على انهيار البلد ، زِد على ذلك الفساد المُستشري بفنونه، وأصنافه، وكفاءة عملائه !

بالتّأكيد ، النّزوح السّوري زاد من الأزمة الاقتصادية في لبنان، والحقيقة أني من خلال ما عشتُه هنا، فإنّ الشعب الّلبنانيّ ابنُ يومِه، ولعلّ هذا لأنّ اقتصادَه أصلاً مرتبطٌ بالخارج..لبنان ليس دولة اكتفاء ذاتيّ كالجمهوريّة العربيّة السّوريّة ..ولا داعي أنْ نستشهدَ بالأزمة الرّاهنة في سوريا لنعرف مدى صمود الدولة قيادةً وشعباً، رغم ما خلّفته من آلامٍ، مع عدم إغفال وجود الموالاة والمعارضة..

بالتأكيد يُطلبُ مِنَ الوافد إلى دولةٍ غير دولتِه، أن يكون أديباً، وأن يحترمَ قانونَ الدّولةِ المُضيفة ..

و في النّهاية- وحتى لا أطيلَ عليكَ - أقول :
" نحن أخوةٌ في الإنسانيّة، شركاءُ في الطّبائعِ، متميّزون بالأخلاق "
HANAN
أتمنى أنْ ألقى منك رأياً في هذا ..
ألقاكَ قريباً ..

4/30/2023
Judy Abbott
HANAN


رسائل إلى صاحب الظّل الطّويل ..
الرُسالةُ الثّامنة ..

عزيزي يا صاحب الظِّلِّ الطَّويل...
سأحكي لك حكايا كحكايا شهرزادَ لشهريار في ألفِ ليلةٍ وليلةٍ ..لكنّها حكايا حقيقيةً لِنساءٍ مِنْ بلادي سبقْنَ الشّمسَ ..

القِصّةُ الأولى..
(( الظَّلامُ يساوي الكَلْبَ بالذِّئبِ))..

كانتْ حقولُ القمحِ بعيدةً عنِ المنازلِ في القريةِ، وكان أصحابُها في موسمِ الحَصادِ يضطّرونَ المشيَ لمسافةٍ بعيدةٍ، أو الرُّكوبَ على البِغالِ والحميرِ ،وكانوا يأخذون معهم مَؤونةَ شهرٍ من طعامٍ وشرابٍ، وينصبونَ الخِيامَ في العَراءِ ليبيتوا فيها ليالي الحصادِ ..

أرسلَ أبو غسّانٍ بناتِه و قطيعَ الأغنامِ والماعزِ إلى أَحدِ معارفِهِ في القريةِ المجاورةِ، وفي الهزيعِ الأخيرِ مِنَ الّليلِ أيقظتْ أمُّ عارفٍ ضيفاتِها بهدوءٍ وحُنُوٍّ ،وطلبتْ منهنّ أخذَ القطيعِ إلى الزّريبةِ في الوادي القريبِ..الطَّقسُ في هذه المناطقِ صحراويٌّ، فهو في الصّيفِ باردٌ ليلاً ، وحارٌّ نهاراً .. قادتِ البناتُ القطيعَ في الظَّلامِ، كُنَّ يَعْرفْنَ الطّريقَ بالفِطرةِ والخِبرةِ !

أَدخلْنَ القطيعَ إلى الزَّريبةِ - وقد كان بابُها مفتوحاً-
و أَمْضَيْنَ ما تبقّى لهنَّ من الّليلِ في إحدى خيامِ الحَصّادين..
عند الصّباح، توجّهتا إلى الزّريبةِ لإطلاقِ القطيعِ في المرعى، ولكنّ صراخَهما جعل الحصّادين يَهْرَعونَ على عَجَلٍ، هم أيضاً تفاجؤوا مِنْ هولِ المنظرِ !! كانت كُلُّ الأغنامِ مبقورةً، ومذبوحةً، لأنّ الذِّئابَ كانت مُسبقاً في الزَّريبةِ..
هذا حالُ بعضِ بلادِنا يا صاحبَ الظِّلِّ الطويل ..

ألقاكَ في حكايةٍ شَيِّقةٍ قادمةٍ، فَقَدْ هاجمَني النُّعاسُ كما هاجمَ الذِّئبُ النَّعْجةَ !
Judy Abbott
HANAN
5/8/2023


رسائلٌ إلى صاحب الظِّلِّ الطّويلِ..
الرّسالةُ التّاسعةُ :

عزيزي يا صاحب الظِّلِّ الطّويل ..

عُدتُ إليكَ بقصّةٍ جديدةٍ عن امرأة ٍ سبقتِ الشّمسَ في بلادي ..

عروسُ الضّحى ..

كانتْ تلعبُ مع تَريباتِها في الحقلِ الخلفيِّ للمنزِلِ المُشيَّدِ منَ الحجرِ البازلتيِّ الأسود ِ- فالمنطقةُ هنا بركانيّةٌ- عندما نادَتْها أُختُها الكُبرى: "نهلة..تعالي، هناك منْ يطلبُ رؤيتَكِ" ..
ركضتْ نهلة بشغفِ الطُّفولةِ نحو باحَةِ المنزلِ، وإذا، يصدُمُها منظرُ النُّسوةِ ! هذه أوّلُ مَرّةٍ تَرى فيها هذا العددَ مِنَ النّساءِ في منزلِهم ! قفلتْ مُسرِعةً إلى صديقاتِها، فَلَحِقتْ بها أُختُها:"أينَ تذهبينَ؟عُودي هُنا"..
قالت: "مَنْ هؤلاء؟"..أجابتْها أُختُها:"اليومَ خُطوبتُكِ، أَلَا تعلمين؟!"..
قالتْ:" خُطوبتي؟!🙄..مَنْ ذا يخطِبُني؟"..
ردَّتْ اُختُها:"ابنُ خالتِك..أَلَمْ تخبرُكِ اُمُّنا؟"...

ثمّ اندفعتْ نهلة بكلّ غضبٍ وخوفٍ نحو غرفةِ التّنورِ ، واختبأتْ في كومةِ التَّبْنِ، وبقيَتْ هناكَ حتّى دخلتْ عليها اُمُّها، وأمسكتْ يدَها بقوّةٍ، قائلةً بهمسٍ لا يخلو منْ حَزْمٍ:" هَيّا معي، ولا تَتَسبّبي لنا بالإحراجِ.. ابنُ خالتِكِ أولى بكِ !"..

مشتْ نهلةُ مُرغمةً تقودُها أُمّها مِنْ يدِها كَمَنْ تقودُ غنمةً بحَبْلٍ، بينَ تغطّي وجهَها بيدِها الأُخرى ..
😔مِسكينةٌ نهلة ! لم تكنْ تُريدُ رؤيةَ الخاطبين.. "هم خطّافونَ وليسوا خطّابين" ،قالتْ في نفسِها..

قدَّمتِ الأُمُّ إحدى زهراتِها قَيْدَ التَّفتُّح، لِيَقطِفَها مصيرٌ معلومٌ مجهولٌ !!..
أَخرجتْ خالتُها خاتَمَ الخطوبةِ مِنْ (عُبِّها)، ووضَعتْهُ في إصبعِ نهلة، حتّى ابنُها -العريسُ- لَمْ يكنْ موجوداً🤷🏻‍♀️..

كانتْ صدمتُها كبيرةً، عندما صَدَحَتِ الزّغاريدُ بفرِحهم هُمُ، لا بِفرحِها هيَ ! ..وعندما غادروا، ناداها والدُها، وقال لها:" لا أُريدُ أنْ أرى هذا الخاتمَ في يدِك طالما أنتِ هُنا!"🧐..
هو شيخٌ ولا يَقبلُ أنْ تتزيَّنَ ابنتُه، متذرّعاً: "فلتفعلْ ما تشاءُ في بيتِ زوجِها لاحقاً !" ..

كانَ هذا الخاتَمُ قَيْداً حتَى وهو في الخزانةِ !! لم يعدْ بإمكانِ نهلةَ أنْ تلعبَ مع صديقاتِ الطُّفولةِ، منذُ الآنَ عليها أنْ تُكَبّر أحلامَها على قَدْرِ بِساطِ الزَّوجيّة، كما ليسَ بإمكانِها أنْ تتخلّى عَنِ الارتباطِ بِابْنِ خالتِها كزوجٍ للمستقبلِ القريبِ، فإِصبَعِها الفارغِ مِنْ خاتَم الخُطوبةِ شجّعَ شُبّاناً كثيرينَ للتَّقدُّمِ لِخِطْبَتِها ..كان أغلبُهمْ أفضلُ مِن ابْنِ خالتِها، لكنَّ شمسَ التّقاليدِ سبقَتْ شمسَها !😔..

عزيزي يا صاحبَ الظِّلِّ الطَّويل، أريدُ أنْ أقولَ أنّ مراحلَ حيواتِنا كُلّها ضروريّةٌ، وعلينا أنْ نعيشَ تفاصيلَها.. ((لا لِزواجِ القاصِرات )) ..

فيما يخُصُّني سأترُكَ لكَ تعليقاً على الصّورةِ المُرفَقَةِ 😉..
أَلْقاكَ قريباً في حكايةٍ جديدةٍ ..

Judy Abbott
HANAN
5/14/2023


رسائل إلى صاحب الظّلِّ الطَّويل..

الرّسالةُ العاشرة ..

عزيزي يا صاحب الظِّلِّ الطَّويل ..
أعودُ إليكَ بقصّةٍ مِنْ قِصصِ نساءٍ سبقْنَ الشّمسَ في بلادي ..

ضوءُ القمر ..

في قريةٍ من قُرى الجنوبِ السّوريّ، حيثُ امتدادِ الصّحراءِ نحو الأردن، فتياتٌ يسبقْنَ الشّمسَ في الاستيقاظِ، يتغلّبنَ على حرارتِها ..

نهضَ الأبُ مِنْ نومه، و قصدَ فِراشَ ابنته ذاتِ الاثنتي عشرةَ سنةً، و هَزَّ كتفَها بِرِفْقٍ، وهو يهمِسُ:
-نهلة، انهضي يا ابنتي" ..
-ماذا تريدُ يا أبي..
-قومي واذهبي إلى الكَرْمِ، وأحضري لنا بعضَ العنبِ، وأكوازَ التِّينِ النّاضجةَ..

نهضتْ نهلةُ والنّومُ يلفُّ جسدَها الطَّريَّ..أخذتِ الحمارَ ،
و وضعتْ عليهِ صُندوقَيْنِ من الخشبِ الرّقيقِ، وسارتْ نحو الكَرْمِ . كان الطّريقُ أمامَها واضحَ المعالمِ..

وصلتْ نهلةُ الكَرْمَ، وبدأتْ بقطافِ العناقيدِ الشهيّةِ النّضِرة ! كانت مرّةً تضعُ عُنقوداً في الصُّندوقِ الأيمنِ، ومَرّةً تضعُهُ في الصّندوقِ الأيسرِ ، هي تعرفُ أنّ عليها أنْ توازنَ الحِمْلَ حتّى يستطيعَ الحمارُ السّيرَ بها، وبحِمْلِ العِنَبِ..عندما انتهتْ، استدارتْ أدْراجَها عائدةً إلى المنزلِ.

فجأةً، لم تعدْ ترى شيئاً ! فلاذَتْ بجانبِ الطّريقِ التُّرابيِّ، وجلسَتْ على حجرٍ ،استوحشتِ المكانَ، فأمسكتْ برَسَنِ الحمارِ ، وقرّبتْهُ مِنْ وجهِها، وكأنّها تُداري العُتْمةَ المُخيفةَ بنعومةِ شَعرِهِ، و دِفء رِفْقَتِه ...هي لا تعلمُ كمْ جلستْ هناكَ ..حتّى شَقَّ صمتَ المكانِ صوتُ رَجُلٍ تعرِفُهُ: "ماذا تفعلين هنا يا فتاة؟! أَلَسْتِ ابنةَ أبي أكرم؟!" ..لقد كانَ هذا مُختارُ القريةِ، فردَّتْ نهلة بلَهفةِ مَنْ حَصَلَ على دولابِ إنقاذٍ في وِسْطِ الماءِ، و هو لا يعرفُ العَوْمَ:" نعم، أنا هيَ " ...
-أسبقَكِ والدُكِ، أمْ ما زالَ في الكَرْمِ ؟! ..
- أَتيْتُ وحيدةً ..
فقالَ مُتَعَجِّباً ومغتاظاً، لكنْ بعفويّةٍ ساخرةٍ: "لا وفّقَكَ الله يا أبا أكرم! " ..ثُمّ رافقَها إلى المنزلِ .

هي لمْ تكنْ تعلمُ أنّ الضَّوءَ الّذي أَنارَ دربَها إلى الكَرْمِ كانَ ضوءُ القمر !!!
23/5/2023
Judy Abbott
HANAN

رسائل إلى صاحب الظِّلِّ الطَّويل..

الرّسالةُ الحاديةَ عشرةَ ..

عزيزي يا صاحبٓ الظِّلِّ الطَّويل...
أعود إليك بقصة من واقع الحياةِ، تتعلّق بالفسادِ في مؤسّساتِ الدّولةِ، هذا الفسادُ الّذي يبدأُ بفردٍ، ويُغطّيه أفرادٌ ..لكنْ، يجبُ ألّا ننسى أنّنا بشرٌ خطّاؤون ..

قصّةُ اليومِ تُخبِرُ عن أحدِ القُضاةِ الّذين طاردَتْهم إشاعةُ فسادٍ، تندرجُ تحت خانةِ الدّعارةِ، بَعْدَ أنْ طالَتْهُ الألسُنُ بإشاعاتٍ تَنْدرِجُ تحت فسادٍ قضائيٍّ في أمورِ أُخرى ..
لكنّني شخصيّاً، لا أُسمّي سُلوكَه العاطفيَّ، والغريزيَّ هذا فساداً، أو دعارةً، وإنْ كانَ قاضٍ...

هو رجُل أربعينيٌّ، سبحانَ من وَهَبَهُ ما وَهَبَ ! بهيُّ المُحَيّا، فائقُ الحُسْنِ، قَويمُ الجسدِ ، جميلُه ،وطبعاً قويُّ الشّخصيّةِ، جَهوريُّ الصّوتِ ..
قد تستغربُ وصفيَ هذا في رجُلٍ، فعادةً توصَفُ المرأةُ بمِثْلِ هذِهِ ! لكنّهُ آيةٌ مِنْ آياتِ اللهِ سبحانَه في جميلِ خَلْقِه..

تقولُ الإشاعةُ بأنّهُ- القاضي- قَضى بطلاقِ زوجَيْن، وتعلّقَ قلبُه بالزّوجةِ المُطلَّقةِ، ثُمّ أنّهُ كان ينفرِدُ بها في منزلٍ اتّخذَهُ لهذا، وتقولُ الإشاعةُ أيضا،ً أنّهُ وَعَدَها بالزّواجِ بَعْدَ أنْ يطلّقَ زوجتَهُ، لأنّ العُرفَ في هذه الطّائفةِ يمنعُ تعدُّدَ الزّوجاتِ ..لكنّ الأمرَ أَخذَ وقتاً طويلاً، ويبدو أنّ هذه المُطلّقةَ العاشقةَ لم تُطِقْ صَبْراً، أو لعلّها لم تثقْ بكلامِه..فاستغلَّتْ إحدى جلساتِهما الحميمةِ، وصوَّرَتْها على غَفلةٍ مِنهُ، ثُمّ أرسلتِ الفيديو إلى زوجتِه، تَسْتَحِثُّ فيها مشاعرَ الغضبِ والغِيرةِ، فتَدفعُها إلى طلبِ الطّلاق ..لكنّ المفاجأةَ كانت أنّ الزّوجةَ أرسلتِ الفيديو إلى أحدِ الأشخاصِ، و الّذي بِدَوْرِه أرسلَهُ إلى أحدِ المَرْجعيّاتِ السّياسيّةِ، فجاءَ الرَّدُّ بتهديدٍ، و وَعيدٍ جُهَنَّميّين: أَنِ اِمسحِ الفيديو وإلّا مسحناكَ مِنَ الوجود !..

طبعاً، القاضي يَنكُرُ الأمرَ ،وأَمّا السّيّدةُ- الطّرَفُ الآخرُ في العلاقةِ- فلا أعرفُ كيف تَجرّأتْ، وفعلتْ هذا، ولم تفكّرْ بأبعادِ تَصرُّفِها، أو لعلّها فكّرتْ، وعرفتْ ،لكنّ نارَ العشقِ أَكلَتْها، قَبْلَ أنْ تأكلَ القاضي ،وسمعتَهُ، وعائلتَه..رُبّما كانت هذه الرّصاصةُ الوحيدةُ ،فأَطلقَتْها مِنْ أجْلِ أنْ تمتلكَ القاضي ..
لا أعلمُ كيف انتهتِ القضيّةُ، ربّما هي إشاعةٌ، لكنْ لا دخانَ بدون نارٍ ..وهنا أتذكّرُ جارةً كانتْ لنا -رحمَها الله- كانت تقولُ: "زَوّجِ الأخَ أُختَهُ ،فيتحدّثُ النّاسُ في الأمرِ ثلاثةَ أيّامٍ، ثُمَّ ينسون" 🤷‍♀️ ...

أَمّا فيما يختصُّ القاضي، فأنا لا أُحرّمُ عليه العشقَ، فالخيانةُ -كما أسلفتُ في مرّةٍ سابقةٍ- في جوهرِها انجذابٌ عاطفيٌّ، والقاضي بَشرٌ ، وإنْ سَلَّمْنا بأنَّ عليهِ أنْ يكونَ مُنزَّهاً عن بعضِ السُّلوكِ الّذي يمارسُهُ غيرُهُ مِمَّنْ هم في غيرِ موقعِه .
وقد قيلَ قبلاً :"أعانَ الله من تكلَّمَتْ عنه الألسُنُ بالمليح، فكيف بمَنْ تتكلّمُ عنه بالقبيح"..
أمّا أنا فأقولُ: إنّه لا عدلَ إلّا العدلَ سبحانَه !...

Judy Abbott
HANAN
6/19/2023


رسائل إلى صاحب الظِّلِّ الطّويل..
الرسالة الثانية عشرة ..
مِنْ سلسلة قصص :"فتيات من بلادي سَبَقْنَ الشّمسَ" ..

تَحيُّةُ مِنْ قَلمِ حُمرة💄
(الجزءُ الأوّل)

عزيزي يا صاحبَ الظِّلِّ الطّويل..
تُرافِقُني ذكرياتٌ كثيرةٌ منذ الصِّغَر ،حتى أنّ البعضَ يستغربُ كيف لي أنْ أتذكّرها!!!
بعضُها في سِني الرّوضةِ، وبعضُها في مراحلَ تاليةٍ ...

عندما عُدْنا إلى المدرسةِ شتاءَ عام ١٩٨٦ م في الصّفّ الخامسِ الابتدائيّ، جلَستْ هِيَ في المَقعدِ الّذي وراءَ مَقعدي، لكنّها بَدَتْ أكبرَ مِنْ باقي التٍّلميذاتِ في الصَّفِّ، لاحقاً، علمتُ أنّها تُعيدُ سنتَها الدِّراسيّة لأنها لم تنجحْ، ولعلّها أعادَتْ سنةً قبلَها ..

   دخلَتْ معلِّمةُ الصّفّ، ورَحَّبَتْ بنا  ثُمَّ طلَبَتْ مِنَ التّلميذاتِ- كما جَرَتِ العادةُ- التّعريفَ بأسمائهنّ، وكَمْ كانتْ دهشتي كبيرةً عندما سمِعْتُ اسمَ هذه التّلميذةِ:(تَحِيّة) !😱
استَغْربْتُ، وقلتُ في نفسي:"أيُّ أهلٍ يُسَمّونَ ابنتَهُم هذا الاسمَ؟!!!"🙄...ثُمَّ إنّ الاسمَ بدا صغيراً جدّاً قياساً على حجمِ (تحيّة)!...ف(تحيّة) كانتْ أطولُ مِنَ التّلميذاتِ الأُخرياتِ، وأضخمُ، حِنطِيّةُ البَشرةِ،خَشِنةُ المَلامحِ ..

  بالنّسبةِ لفتاةٍ في المرحلةِ الابتدائيّة، كانت (تَحيّةُ) تُشابِهُ النّساءَ، أقصدُ أنها بَدَتْ ناضجةَ الجسدِ ، ولعلّ هذا كان سبباً في زواجها المُبكرِ نوعاً ما ..وهنا ترتبطُ صورَتها في ذاكرتي بإصبعِ أحمرِ الشّفاه- قلمِ الحُمرةِ- الّذي كان يُرافقُها إلى المدرسةِ، فبَعدَ نهاية الدوام  كانتْ تُخرِجُهُ من جيبِ المِريولِ، وتمرّرُهُ على شفاهِها، وتسألُني:"زابطة الحمرة؟".لا أعلمُ السَّببَ، رُبّما كانت تريدُ إغراءَ أحدَهم في مدرسةِ الصّبيان المجاورةِ، أو رُبّما أحدَهم على طريقها 🤷🏻‍♀️...و كنتُ أقولُ لها هذه تصرّفاتٌ مُعيبةٌ في المدرسة، و أَمّا الآن فأقولُ بأَنّها شقاوةُ الانتقال مِنَ الطُّفولة إلى المُراهقةِ😇..

  عزيزي يا صاحب الظِّلِّ الطّويلِ، عظُمتْ دهشتي أكثرَ عندما علمتُ بأنّ(تحيّةَ) أُختٌ وحيدةٌ لإخوةٍ ذكورٍ ،ربّما أربعةٌ أو خمسةٌ، وكانوا كلُّهم أقزاماً، نعم أقزاماً🫣.. وقد تعرّفتُ عليهم لاحقاً، إذْ زارتْني، ثُمَّ عُدْتُها في بيتِها، فهي كانتْ جارةً لي على بُعْدِ حَيَّيْنِ، وكنّا نترافقُ في طريق العودةِ من المدرسةِ إلى المنزلِ ..

  (تحيّةُ) فقطْ مَنْ تمتّعتْ بالطّوْلِ والقامةِ الطّبيعيّةِ، سُبحانَ الله !!!
وكان كلُّ من يعرفُ أُسرَتَها يقولُ: " (تحيّةُ) لمْ تتركْ لإخوتِها طولاً !!"... 
  وعلى ذكْرِ هذا، كانت لنا في الصَّفِّ صديقةٌ(أحلامُ) تُنافسُ(تحيّةَ) في القامةِ، وقد طلبتْ معلّمةُ الصّفّ منهما الجلوسَ في آخِرِ مِقعَدٍ لأنّهما كانتا تَحْجُبانِ الرؤية إلى السَّبورةِ عنِ التِّلميذاتِ الجالساتِ أمامَهما..

  بعد سنينَ قليلةٍ، عرفتُ مِنْ صديقةٍ مُشترَكةٍ أنّ أحدَ إخوةِ (تحيّة) خطبَ (أحلاماً)🧐..كنتُ أتخيَّلُ هذا الشّابَّ المقزومَ وهو يشرئبُّ برأسِه عالياً لِيَنظرَ إلى خطيبتِه 🤔 ...وتُخبرُني صديقتُنا المشترَكةُ أنها سألتَها: "كيفَ تقبلينَ بهكذا عريسٍ؟" - بالنّظر إلى اختلافِ القياسِ في القامَتَيْن- فأجابتْها (أحلامُ): "لن أنظُرَ إلى الأعلى، يَعنيني الجُزءُ السُّفليُّ"🤭...

 فيما بعد لم يستمرَ زواجُهما طويلاً، وانفصلا ...قد تكون هذه التّجربةُ المستَعجَلةُ في الزّواجِ ضَرْباً مٍنْ ضُروبِ المُراهقةِ ....
كَمْ هي ورديَّةٌ أحلامُ المُراهَقةِ يا عزيزي!!!.
   كانتْ أولى ورودِ مُراهقتي في الصَّفِّ الرّابعِ الابتدائيِّ 😌،  أحبَبْتُ صديقي (جمالاً)، ابنَ ضيعتي، و كُنّا زملاءَ دراسةٍ مِنَ الصّفّ الأوّلِ الابتدائيّ، نتنافسُ على الحصولِ على المركزِ الأوّلِ، أَسبِقُهُ فيحقدُ عليّ، ويَسبِقُني فأبكي ...باعدَتْنا ظُروفُ  الحياةِ،  و التقيْتُهُ لاحقاً عندما كُنّا ندرسُ في الجامعة، أنا أدرسُ الأدبَ الإنجليزيَّ، وهو كانَ يدرسُ التّمثيلَ والإخراجَ المسرحيّ في المعهد العالي للفنونِ، بعد أنْ أنهى اختصاصَ الهندسةِ المدنيّةِ.. وقد حمَلَ هذا اللقاءُ اعترافاً بإعجابِهِ بي منذُ أيّامِ الطُّفولةِ، وأنا الّتي كنتُ أظُنُّ أَنّه لئيمُ الطِّباعِ معي .... فيما بَعْدُ مَثَّلَ (جمالٌ) في عددٍ مِنَ الأعمالِ الدّراميّةِ، وهو الآنَ متفرّغٌ للكتابةِ،  بعد أن سافرَ إلى دولةٍ أوروبيّةٍ ..
 🥰جمالٌ يا حُبَّ الطّفولةِ !!! أتّمناكَ بخيرٍ 🙏🏽..

   عزيزي يا صاحبَ الظِّلِّ الطّويل ..
لقدْ تسارعتِ الذّكرياتُ إلى ذِهني، فاسْتَرْسَلْتُ الكلامَ عنّي، لكنّ الشَّيءَ بالشّيءِ يُذْكَرُ ! ...
  لن أُكمِلَ لكَ الآن قصّةَ (تحيّة)، سأترُكُها للرّسالةِ القادمةِ، وسأتركُكَ في لهفةٍ لمعرفةِ ما حصلَ معها 🫡...

JUDY ABBOTT 
HANAN 
7/14/2023

رسائل إلى صاحب الظِّلِّ الطّويل...
 الرّسالةُ الثّالثةُ عشرةَ ..
فتياتٌ من بلادي سبقنَ الشّمسَ ..

     تحيّةٌ من قلمِ حُمرة💄
       الجُزءُ الثّاني .. 

       عزيزي يا صاحبَ الظّلّ الطّويل ..
  بَعْدَ انتهاءِ مرحلةِ التّعليمِ الإلزاميِّ، والانتقالِ إلى المرحلةِ الإعداديّةِ، كانت شخصيّاتُنا تَنضُجُ بِطُرُقٍ مُتشابهةٍ، مُختلفةٍ، تِبْعاً للخلفيّةٍ الاجتماعيّةِ، والتّربيةٍ الأُسريّةِ لكُلٍّ مِنّا ..وكُنّا في كُلِّ بدايةِ عامٍ دراسيًّ نبقى -الفتياتُ- أيّاماً، أو رُبَّما أكثرَ ، نشعرُ بالخجلِ مِنَ الفتيان  ونتجنّبُ الاحتكاكَ بِهِم، إلى أن نعتادَ الأمرَ ، أو (ناخد وشّ) كما نقولُ في الّلهجةِ الشّاميّةِ العاميّة 🥰..

  بَدَتْ (تحيّةُ) أكثر جُرأةً مِنْ رفيقاتِنا في الصّفّ، وكانتْ لها صديقةٌ مُقرّبةٌ، وجارةٌ، وزميلةُ مِقعدِ دراسةٍ اسمُها (مُطيعة)، تُلازِمُها في كُلِّ الأوقاتِ، ولا تَفْتَرقانِ..وكانتْ (تحيّة) تستمتعُ بِتَحويلِ (مُطيعةٍ)  موضوعاً للمُزاحِ حَدَّ السُّخريةِ، فتتخاصمانِ، ثُمَّ تتصالحانِ بقُبلةِ خَدٍّ مِنْ (تحيّة)..
  كانتْ تحيّةُ تُصِرُّ  على(مطيعة) في كُلّ حِصّةِ موسيقا، أو وقتِ فراغٍ  أن تُغنّي، وكانت تُصرُّ على أنْ تجعلَها تُغنّي (عصفور طَلّ من الشّباك) لمارسيل خليفة..

  (مُطيعة) كانت فتاةً خجولةً، وصوتُها رقيقٌ، رفيعٌ، فما أنْ تَبدأَ الغناءَ، حتى تبدأُ (تحيّة) بافتعالِ الحركاتِ لتَشْويشِها، ثُمَّ تَقليدِها🤨 فَتحرَدُ (مُطيعة)، وتمتلئ عيناها بالدُّموعِ، وتقتربُ (تحيّةُ) منها، وتَطُجُّها( تطبع) بوسة على خدّها، ثُمّ تقولُ لها: "خلص، كمّلي"😘 ..

  كانت (تحيّة) تبدو كمزهريّةٍ تضُجُّ بألوانِ الضّحكِ والحياةِ !ولم تستطعِ الاستغناءَ عنْ قلمِ الحُمرةِ💄...فنقلتِ العَدْوى إلى (مُطيعة)، وأصبحتْ هي أيضاً -مطيعة-  تُحضِرُ معها القلمَ السّحريَّ،  هو قلمُ حُمرةٍ شَفّافٌ، لكنّهُ يستحيلُ زهريّاً على الشّفاه، ثُمّ تَستَحيلُ إزالَتُه🤷🏻‍♀️.. وقد وقعَتْ (مُطيعةُ) في فَخِّهِ، وأَبْقتْ يدَها على فمِها طوالَ اليومِ، لأَنّها اشترتْهُ في طَريقِ القدومِ إلى المدرسةِ، ولَمْ يَتَسنَّ لها تجربتُهُ ...

   ثُمّ جاء يومٌ تغيّبتْ فيه (تحيّةُ) عنِ المدرسةِ، ثُمَّ تَغيَّبَتْ، ثُمَّ تَغَيّبَتْ🤔...انقطعتْ فجأةً عنِ الحُضورِ ، وكان مِنَ الطَّبيعيّ والمنطقيّ، أنْ نسألَ (مُطيعة) عن سببِ تَغَيُّبِها، وكانتْ تُجيبُ في كُلِّ مرّةٍ -بِحسرَةٍ- بأنّها خُطِبَتْ💍.. بعضُ الأُسَرِ كانت لا تسمحُ لبناتِها بإكمالِ تعليمِها إذا خُطِبَتْ، وقَدْ يكون هذا أيضاً شَرْطاً مِنْ شروطِ العريسِ لإتمامِ الزّواجِ😏 ..هو -العريسُ- يُريدُها سِتَّ بيتٍ، ولن يُعلّقَ شهاداتِها على الحائطِ !!!

 كانتْ خُطوبةُ (تحيّة) مناسبةً لِتوجيهِ النّصيحةِ من  المُدرِّسينَ والمُدرِّساتِ بعدَمِ التّسرُّعِ في قرارِ الزّواجِ قبلَ الانتهاءِ مِنَ التّحصيلِ التّعليميّ، واكْتِمالِ النُّضْجِ الجسديّ..
  
   معَ مُرورِ  الوقتِ، تركتْ (تحيّةُ) بجانبِ (مُطيعة) فراغاً يُوحي بالحُزْنِ، والاشتياقِ 😔...
 حقّاً المدرسةُ بيتُنا الثّاني، وهي تخلُقُ فينا هذا الشّعور بالانتماء لأُسرةِ المدرسةِ ...
 
 تَزوّجتْ(تحيّة)، لم أَحْضَرْ حَفْلَ زَفافِها، ولم أَعُدْ أسمعُ عنها شيئاً، غيرَ أنّها تسكنُ في بلدَةٍ اُخرى ....

   (مُطيعة) أيضاً تزَوّجتْ، وبَقِيَتْ في البلدةِ، وأَنْهيتُ أنا دراستي الثّانويّةَ، وانتظرتُ نتيجتَها الّتي سَتُأَهِّلُني دراسةَ اختصاصي لاحقاً في الجامعةِ ... 

   عزيزي يا صاحبَ الظِّلِّ الطّويل..
لن اُطيلَ أكثرَ ، فَلِلْقصّةِ بقايا ...

JUDY ABBOTT 
HANAN 
7/16/2023


رسائلٌ إلى صاحبِ الظّلّ الطّويل
    الرّسالةُ الرّاابعةُ عشرةَ ..

         تحيّةٌ مِنْ قلمِ حُمرة..
         الجُزءُ الثّالث

  عزيزي يا صاحبَ الظِّلِّ الطّويل ..
كانتِ العُطلةُ الصّيفيّةُ مِساحةً لمُمارسةِ بعضِ الأعمالِ، 
و الهواياتِ البعيدةِ عن جَوِّ المدرسةِ، فجارتُنا (أُمُّ عليّ) كانت تُشَغِّلُ صبايا الحيّ، والنُّسوةَ المتفرّغاتِ بالأشغالِ اليدويّةِ، من تطريزٍ ،و شٓكّ خَرَزٍّ و حياكةٍ، وكنتُ أُمارسُها أنا أيضاً..
 في أَحَدِ الصّباحاتِ قصدتُ بيتَ (أُمِّ عليّ)، وضعتُ يدي على الجرسِ، وضربتُهُ مَرّةً واحدةً -كعادتي- وكنتُ أُحبُّ صوتَ ذاك الجرسِ، كانت له نغمةُ الحسّونِ، وكانَ إذا لم يُجبْني أَحدٌ أضرِبُهُ ثانيةً لأسمعَهُ ثانيةً 😊..

  المهمّ، ضربتُ الجرسَ، وانتظرتُ.. فتحتْ (أُمُّ عليّ) البابَ بعد تأخيرٍ بسيطٍ…دخلتُ بعد أنْ حيّيْتُها تحيّةَ الصّباحِ، وكانت تردُّ دوماً بعبارة: "يسعدو"..

  في الرُّواقِ كنبةٌ، وضعَتْها (أُمُّ عليّ) لاستقبالِ الصّبايا العاملاتِ معها..كانت سيّدةٌ شابّةٌ تجلسُ على الكنبةِ، وفي يدِها سيجارةٌ، أظْهرَتها بَعْدَ أن توسّدتِ الأمانَ في حُضوري..
قلتُ: "مرحبا", نظرتْ كلٌّ مِنّا للأُخرى نظرةَ المعرفةِ المُسبَقةِ، لكنّني تجاهلْتُها كي لا أُحرجُها، أَمّا الآن- وبَعْدَ ما حدثَ لها- أتمنّى لو أنّني أخذتُها في أحضاني، سلاماً حميماً 😔..
كانت تلك السّيّدةُ (تحيّة)...
"وتدخّن!"،قلتُ في نفسي ..كنت أعلم ُ أنّها تدخّنُ في السّرّ ،فعائلتَها لا تسمحُ بهذا، وهذا يفسّرُ تأخُّرَ (أُمِّ عليّ) عن فتحِ الباب، أرادتِ التّخلّصَ مِنْ رائحةِ السّيجارة..
  
  بعد مرور سنواتٍ على افْتراقِنا- وبنظرةٍ قصيرةٍ- بدتْ لي (تحيّة) وكأنّها تلك المرأةُ المتمرّدةُ، المُتحرّرةُ، الّتي تظهرُ في فيلمٍ سينمائيّ، تدخّنُ سيجارةً رفيعةً، طويلةً، تضعُ أحمرَ شفاهٍ ظاهرٍٍ ، كانتْ، وما زالتْ تعشقُ أحمرَ الشّفاه 💄..كان ينقُصُها فقط أنْ تَلبَسَ المكشوفَ كثيراً عن الصّدرِ ، والقصيرَ فوقَ الرُّكبةِ لِتَكْتَمِلَ لوحتُها في خيالي💃..

   أحرقتْ (تحيّة) ما تبقى من سيجارتِها، وهي تَتَلَذّذُ، وتتفنّنُ في إخراجِ الدُّخانِ من فمِها نحو الأعلى، 
و غادرَتْ على عُجَالةٍ دونَ أيِّ حديثٍ بينَنا..
  قلتُ لأُمِّ علي:"أليس اسم هذه السّيّدةِ (تحيّة)؟ ردّتْ بصوت ٍ خافتٍ ومؤثّرٍ: "بلى,تعرفينَها؟".
أجبتُ:"نعم، كانت زميلتي على مقاعدِ الدّراسةِ، لكنْ بعْدَ أنْ تزوّجتْ، ما عدتُ سَمِعْتُ عنها ".. فأَخبرَتْني (أُمُّ عليّ) أنّها الآن- (تحيّة)- أُمٌّ لصبيٍّ وحيدٍ ذي تسعِ سنواتٍ، وهي على خلافٍ مع زوجها، غاضبةٌ في بيتِ أهلِها بانتظارِ صُلحٍ يُعيدُها إلى بيتِ الزّوجيّة، وأنّها تملأُ وقتَ فراغِها بالأشغالِ اليدويّةِ ريثما يتمُّ ذلك..
  لم نتحدّثْ أكثرَ في أمرِ (تحيّة) فنحنُ - أنا وأُمُّ عليّ- كانت لنا أيضاً أحاديثُنا الخاصّةُ...

   عزيزي يا صاحبَ الظّلّ الطّويل..
 سأخبرُكَ سريعاً عن (أُمّ عليّ)، هي منَ الطّائفةِ المُسلمةِ السُّنّيّةِ الكريمةِ، تزوّجَتْ من الطائفةِ العلويّةِ الكريمةِ بعْدَ أنْ انقطعَ حبلُ أملِها بالزّواجِ مَنْ حُبِّ حياتِها.

  وفي تفاصيلِ حياتِها، أختصرُ بعنوانٍ عريضٍ لئيمٍ، تَتداولُهُ بعضُ العامّةِ، حتّى أصبحَ على هيئةِ مَثَلٍ شعبيٍّ: "مَنْ تزوّجَ مِنْ غيرِ مِلَّتِهِ، ماتَ بعِلّّةٍ غيرِ عِلّتِهِ"🙄.. وفي روايةٍ ثانيةٍ:"ماتَ بمئةِ عِلّةٍ غيرِ عِلّتِه"..🫣
 على كلٍّ ل (أُمُّ عليٍّ) الآن شابّان و فتاةٌ، الشّابانِ تزوّجا، وأَنْجَبا، ويُديرانِ حياتَيْهِما بِجِدٍّ، أَمّا الفتاةُ فلَها وضعٌ خاصٌّ أَتَحفَّظُ على ذِكْرِهِ، وقدْ يكونُ في عُرْفِ بعضِ  العامّة الّذين ذكرتُهم هو أَحدُ العِلل..

  عزيزي يا صاحب الظّلّ الطّويل..  ربّما يكونُ لكَ رأيٌ في بعضِ المواضيعِ الّتي ذكرْتُها، وسَأكْتفي الآنَ بهذا القَدْرِ مِنَ القصّةِ، و سأعودُ لأُكْمِلَها لكَ لاحقاً ..
JUDY ABBOTT 
HANAN 
7/19/2023

رسائلٌ إلى صاحبِ الظّلِّ الطّويل 
         الرّسالة الخامسةُ عشرة..
        الجُزءُ الرّابعُ

    عزيزي يا صاحبَ الظّلّ الطّويل..
  في مساءِ ذلك اليومِ- أقصدُ اليومَ الّذي التقيتُ فيه (تحيّةَ) في منزلِ (أُمّ عليّ)- جلسْنا وعائلتي على الشُّرْفةِ، وكُنّا -الصّبايا- نتسلّى بالأشغالِ اليدويّةِ، حتى قطعَ صمتَنا صوتُ أقدامٍ تَجيءُ وتَذهبُ، و هَمْسٌ عَلا، و تَفَلَّتَ منه بِضْعُ كلماتٍ: "مقتولة"، "قتلها"، "يا حرام"، "الله يرحمها"، "كيف حدث ؟"..😱وهكذا ..

  تَدافَعْنا إلى الحافّةِ المُطِلّةِ على الشّارعِ، فإذا بالنّاسِ في تجمُّعاتٍ مِنْ أربعةِ أشخاصٍ أو أَكثرَ ..نَزَلَ أخي إلى الشّارعِ مُسْتقصياً، وانتظرْناهُ طويلاً بفُضولٍ ولَهفةٍ، فالنّاسُ في هكذا مواضيعَ تَسْتَرْسِلُ الأحاديثَ مِنْ بابِ الفضولِ والاستهجانِ🤷🏻‍♀️ ..وما أنْ دَخَلَ أخي المنزلَ، حتّى سألْناهُ كُلُّنا بصوتٍ واحدٍ :"شو في"، ماذا حصل؟
فكانَ جوابُهُ بأنَ (تحيّةَ) وُجِدَتْ مَقتولةً في أَحَدِ البساتين، والبلدة تقفُ ولا تَقْعُدُ ..

  لا يمكن أنْ أَصِفَ الشُّعورَ بصدْمَتِنا جميعاً ..أَمّا أنا، فقد انقطعتْ بيَ الأنفاسُ، وتجاذَبَتْني الصُّورُ والأفكارُ، (تحيّة)؟ كيفَ؟ قابَلْتُها صباحاً، وكانت تَضُجُّ بالحياةِ..لَمْ أَتَطَرّقْ لهذا أمامَ أهلي، فقطْ التزمتُ الصَّمتَ .. تُرى مَنْ قَتَلَها؟ وَ لِمَ؟ وبأَيِّ ذَنْبٍ؟ أينَ كانت؟ 🤔.تزاحمتِ الاحتمالاتُ، وكَثُرَتِ الشّائعاتُ تَوّا 🙄...وكالعادة كان سببُ قَتْلِها الرّاجحِ جريمةَ شرفٍ..

   في القِصّة، بَعدَ خُروجِها مِنْ منزلِ أهلها قاصِدةً (أُمَّ عليّ)، تأخّرتِ الرُّجوعَ كثيراً، وأَحْدَثَتْ قلَقاً كبيراً لأهلها، حتى جاءَ هاتفٌ مِنْ أَحدِ مَخافِر الشَّرِطةِ  لِيُخْبِرَهم  بالفاجعةِ.. وطبعاً، سَبَقَ هذا الهاتفَ هاتفٌ مِنْ (فاعلِ خيرِ) إلى المخفرِ يُبلِّغُ عنِ الجريمةِ..

   في ذاكَ المساءِ، وكان الوقتُ يقتربُ مِنَ اللّيلِ، كان المَعْنِيّونَ بأَمْرِ (تحيّة) يَتداولونَ المُهاتراتِ ..بشأْنِ ماذا؟ بشأْنِ دَفْنِها طبعاً ..
فبعد أنِ استلمَ الأهلُ جُثّتَها، لَمْ يُسْمَحْ لَهُمْ- بفتاوى ((وجوه المجتمع))- أنْ يُقيموا لها مَراسمَ الدَّفْنِ المُعتادةِ، الّتي تليقُ بأُختٍ وحيدةٍ، وزوجةٍ، وأُمٍّ😔...حُكِمَ عليها -وقتها- مُسْبَقاً بأَنّها المُذْنبةُ العائبةُ، وَلِذا كانَ قَتْلُها نتيجةً محتومةً،و تحصيلَ شرفٍ ..أيَّ شرفٍ؟ وشرفَ مَنْ؟😡

  وبنتيجة هذا، ما كان مِنْ إخوتِها، وبعضٍ مِنْ معارفِهم، إلّا أنْ ذهبوا بجُثّتِها ملفوفةً ببطانيّةٍ، وأَلْقوا بها بين شَواهدِ القُبورِ في المَقبرةِ، دون أنْ يحفِروا لها قبراً  😞.حتى تطوّعَ أَحدٌ ما- لاحقاً- ودَفَنَها تَحتَ التّرابِ، فمِنَ الحرامِ، والمُنافي للأخلاقِ أنْ تبقى فوق وجهِ الأرضِ وهي مَيْتةٌ..وقد وصفَ بعضُ النّاسِ هذا الرّجُلَ بالقبضاي...على اعتبار أنهُ تواجَدَ ليلاً بين القبورِ مع جُثّةٍ مقتولةٍ سابقاً ..
  
   كانتِ المقبرةُ قريبةً مِنْ منزلِنا، على بُعْدِ شارعٍ ،في ساحةٍ عامّةٍ، على تقاطعِ طُرِقٍ، وكُنّا غالباً ما نَمرُّ بجانبِها، بيتُ (أُمِّ عليّ)أيضاً في نفْسِ الشارعِ ..

    ضَجَّتِ البلدةُ بهذه الجريمةِ، وغالَتْ، وغَلَتْ، وفارتْ، وعَجَنَتْ، وخَبَزَتْ أخباراً كثيرةً.. وحدُهم ذَووها يتحمّلونَ ذَنْبَ تأليفِها، وإخبارِها.. فقط نقولُ:"أعانَ اللهُ أصحابَ المُصيبةِ، فالجمرةُ لا تَحرِقُ إلّا مَطرحَها"..وأَمّا بعضٌ مِمَّنْ لديهِم حِسُّ الخوفِ مِنَ الوقوعِ في سوءِ الظَّنِّ والنَّميمةِ، فَقَدْ كانوا يقولون:"إذا وَقعتِ البقرةُ، كَثُرَ سلّاخوها"..🤷🏻‍♀️

 عزيزي يا صاحبَ الظِّلِّ الطّويلِ، في المرّةِ القادمةِ سأكشفُ لكَ بعضَ الخيوطِ الخَفيّةِ عن هذه الجريمة ..

JUDY Abbott 
HANAN 
7/26/2023


رسائلُ إلى صاحبِ الظِّلِّ الطّويل..
    الرّسالةُ السّادسةُ عشرةَ..

      نساءٌ مِنْ بلادي سَبقْنَ الشّمس..
       تحيّةٌ مِنْ قلمِ حُمرة 💄..
      الجزءُ الخامسُ والأخيرُ ...
  
   عزيزي يا صاحبَ الظِّلِّ الطّويل..
في اليوم التّالي للجريمةِ النّكْراءَ، قصدتُ (أم عليّ)، وطبعاً كلُّ المارّةِ في الشّارعِ، والجالسون أَمامَ منازلِهم على ناصيةِ الطّريقِ كانوا يتهامسونَ، أَوْ يُجاهرونَ بجريمةِ البارحة، والكُلُّ لسانُ حالِه يقولُ :"الله أعلم"، فالمجرمُ لَمْ يُعرفْ بَعْدُ ..وكان النّاسُ يُشفِقونَ على (تحيّة)، وعلى أهلِها، ويتشفّعونَ لهم في الدّعواتِ، أنْ يلهمَهم الله الصّبرَ والسُّلوانَ، ليس فقط مِنْ أَجْلِ فَقْدِها بهذه الطّريقة، بل مِنْ أَجْلِ أنْ يُعطيَهُم القوّة َعلى تحمّل هذا الكمِّ مِنَ الشّائعاتِ..لكنّ جارةً مُسنّةً، كانت تسكنُ قريباً مِنّا، كانت تقولُ في مِثْلِ هذه المناسبةِ:"يا تيتا، زوّجي الأخَ أختَهُ، سيتحدّثُ النّاسُ عنِ الأمرِ ثلاثةَ أيّامٍ، ثُمَّ ينسَوْن !!"🧐..

  فعلاً نَسِيَ الناسُ سريعاً أمرَ (تحيّة)، وَحْدَهم أهلُها سيعيشونَ في حسرةِ فُراقِها😞...

  دخلتُ بيتَ (أُمّ عليّ)، وكان التّأثُّرُ بادٍ عليها، تقاسَمْنا المُواساةَ فيما بيننا، وابْتَهَلْنا، ورَفَعْنا الدُّعاءَ لها بالرّحمة، ولِأهلِها بالصّبرِ ..
  اسْتَغْرَقَ الأمرُ دقائقَ قليلةً ونحنُ واقفتَيْنِ، وكنتُ على وشكِ الجلوسِ، حينَ طَلبَتْ مِنّي بلُطفٍ أَلّا أجلسَ قبلَ أنْ تُعدِّلَ غطاءَ الكنبةِ، رفَعَتِ الغطاءَ، و وضعَتْهُ على الكنبةِ، وأَدْخَلَتْ يدَها في الزاويةِ بينَ كتِفِ الكنبةِ ومِقعَدِها، في حركةٍ لتثبيتِ الغطاءِ، وفجاةً، صرَختْ -بالطّبعِ صرخةً لَمْ يَسمعْها إلّانا- وأخْرَجتْ يدَها، وفيها قلمُ تحديدِ شفاهٍ، وقلمُ أحمر شفاه 💄..اقْشعرَّ بَدَنانَا، نحن لا نُصدِّقُ أنّها ماتتْ مقتولةً 🤦🏻‍♀️...

 جلَسْنا أنا و(أُمُّ عليّ)، تساءلتُ: "تُرى ماذا حصلَ معها؟".
فأخبَرَتْني (أُمُّ عليّ) أنّها كانتْ تأتي إليها، وهي تُخبِّىءُ قلمَ الحُمرة، وتضعُ منه عندَ (أُمِّ عليّ)  فهي لا تستطيعُ أنْ تخرجَ في الشّارعِ مُتَبَرٍّجةً، إذا رآها النّاسُ سيتكلّمونَ عنها بالعاطلِ، كونها على خلافٍ مع زوجها، وسيتساءلونَ:"لمَنْ تَتَزيّنُ؟"..هذا هو المجتمعُ الّذي عاشتْ فيه ..كانت تذهبُ إلى بيتِ الزّوجيّة بعد خُروجِ زوجِها إلى العملِ، وتدخلُ دونَ علْمِه، تقومُ بأعمالِ المنزلِ، وتطبخُ لابْنِها...لم تكنْ تريدُ التّخلي عَنْهْ، وعَنْ واجباتِها تِجاهَه..لعلّها لَمْ تكنْ موفّقةً  في اختيارِ الوسيلةِ..وقدْ أَسَرَّتْ ل(أُمِّ عليّ) في يومِ مَقتَلِها بأنّها ستذهبُ لمُقابلةِ زوجِها في مكانٍ عامٍّ، مِنْ أجلِ مناقشةِ هذا الوضعِ، علّها تستطيعُ إقْناعَهُ الرُّجوعَ عنْ قرارِ الطّلاقِ.. وأنّها طلَبَتْ مِنْ أَحدِ أصدقاءِهِ المُقرَّبينَ أنْ يكونَ شاهداً على هذا، فأعْلَمتْهُ بمكانِ الّلقاء، بحيثُ يَسبِقْهُما إليهِ، ويَعْتَلي شجرةً كثيفةَ الأغصانِ، يَرى ويَسمعُ، ولا يُرى ...
لا شكَّ أنّها أرادتْ أنْ تُثبِتَ حقيقةً ما🤔..لكنّها لَمْ ترجِعْ مِنْ ذلك الّلقاء 😔...

   هذا الأمرُ -أقصدُ لِقاءَها بزوجِها، وبحضورِ صديقِهِ المُتَخَفّي- لَمْ يَعْرِفْهُ اَحدٌ غيرُ الله تعالى، و(أُمِّ عليّ) وأنا..لذلكَ أُطلقُ خيالي لأقولَ:" أنّ زوجَها في وقتٍ ما مِنَ الِّلقاءِ قتَلَها بحجرٍ على رأسِها - كما أوضحَ الطّبيبُ الشّرعيُّ- وصديقَهُ هو مَنْ بلّغَ عنِ الجريمةِ ..لكنَّ أَحدَهُما لَمْ يعرفْ بوجودِ الآخَر .. 
  طبعاً (أُمُّ عليٍّ) تكتَّمتْ على الموضوعِ، ولم تأتِ على ذكرِه خِشيةَ العواقبِ ...لا أعرفُ إنْ كان الأمر قد استقرَّ على هذه النّهاية، أو أنّ لغز الجريمةِ قَدْ حُلَّ، لَمْ أسألْ عن الأمرِ بَعْدَ هذا ..

  (تحيّة) سبَقتِ الشّمسَ إلى الغُروبِ، لكنّها تركتْ لنا قلمَ 💄 لِتُلقي علينا التّحيّةَ مِنْ خلاله، وتقول:" أنا ما زلتُ هُنا!"...

لكِ التّحيّةُ يا (تحيّةُ)، وسلاماً لروحِك ...
JUDY ABBOTT 
HANAN 
7/31/2023




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صدور النسخة الاولى لاالبوم روائع الكلمات للشاعرة والدكتورة والسفيرة//شيرين ابوزهره