عيار الشعر عند ابن طَبَاطَبَا العلوي ( 250- 322 هجرية ) د. محمد ضباشه عضو اتحاد كتاب مصر 🇪🇬

عيار الشعر

    عند ابن  طَبَاطَبَا العلوي

    ( 250- 322 هجرية  ) 

د. محمد ضباشه 

عضو اتحاد كتاب مصر 🇪🇬

يعد القرن الرابع الهجري من أبرز القرون التى بدأت فيه نظرية النقد تتضح وتكتشف معالمها بالرسوخ والنضج حتى أصبح صنفا معرفيا يختلف عن بقية المعارف، وهو العصر الذي أنجب أرباب الكلام وجهابذة العلم والفكر والفلسفة من أبرزهم المتنبي والحمداني وبديع الزمان الهمذاني، وإذا استقرأنا تاريخ الشعر نجد أن من وضع بصماته الشعرية والنقدية  فيه  هو محمد بن أحمد بن طباطبا العلوي، من العلويين الأشراف وهو من فحول الشعراء في وصف الطبيعة، ويعد كتاب عيار الشعر من الكتب التي تندرج تحت باب النقد النظري التطبيقي التعليمي، وبالرغم من اطلاع ابن طباطبا على الكتب النقدية التي ظهرت قبله إلا أنها لم تشكل عنده أثرا في مؤلفاته وكثيرا ما كان ينتقدها. 

يرى أن الشعر كلام منظوم بائن عن المنثور الذي يستخدمه الناس في مخاطبتهم بما خص به من النظم الذي إذا عدل عن جهته مجته الأسماع وفسد على الذوق، وهو يقصد بالنظم الوزن والقافية والموسيقى الداخلية للبيت في تفعيلاته المختلفة فمن كان مسبوكا بنظمه وقوافيه يعد  من الشعر المتميز، ويرى ان الشعر الموزون له ايقاع يطرب الفهم لصوابه وما يرد عليه من حسن تركيبه واعتدال أجزائه فإذا اجتمع للفهم مع صحة الوزن صحة المعنى وعذوبة اللفظ بسط مسموعه ومعقوله عن الكذب تم قبوله واشتماله عليه،  ويضيف بأن الشعر صناعة وكل صناعة لها أدوات والصانع الماهر لابد أن يتقن أدواته من أجل الجودة، وصنعة الشعر تحتاج إلى التوسع في علم اللغة والإعراب والبحور والعروض والمعارف العامة. 

ويؤكد أن عملية الإبداع في الشعر تمر بأربع مراحل قد تطرق لها لأنه مر بها ولكي يعلم الناشئة كيف يكتب الشعر وهي:

1- تكون الفكرة في ذهن الشاعر

تتولد الفكرة نتيجة تجربة يعيشها الشاعر وليس بالضرورة يمر بها مرورا واقعيا ولكن يتعايشها نفسيا  ويتأثر بها ويختلف شاعر عن آخر في مدى تأثير التجربة على وجدانه.

2- مرحلة اختيار الصورة الشعرية

هذه المرحلة قد تتبع الأولي أو تتأخر عنها كثيرا وبقدر تفاعل الشاعر مع التجربة تطفو على السطح الصور الشعرية الذي يعبر عنها في قصيدته، ولابد ان تكتب القصيدة كما تولد دون تعديل او ترتيب.

3- مرحلة الصياغة

في هذه المرحلة يتم ترتيب المعاني واعادة صياغة الأبيات طبقا للوزن،وقد يقدم بيت على آخر أو يحذف بيت المهم البحث عن صياغة ذات معنى تعبر غن الصور الشعرية  .

4- مرحلة التثقيف

وهي المراجعة النهائية لأبيات القصيدة وتسمى مرحلة التهذيب وتعد هي القراءة الأخيرة لتنقية الألفاظ الغير مهذبة والوصول بالقصيدة إلي الجودة المطلوبة  .

ويرى ابن طباطبا أن عناصر الشعر أربعة هم اللفظ والمعنى والعاطفة والخيال،  وقد أدرك العلاقة القائمة بين اللفظ والمعنى إلا أن رأيه ظل أسير العلاقة التابعية لسابقيه فهو لم يدرك أن الشعر بلفظه ومعناه معا  ، وأن كل منهما متمم للآخر كالجسد الواحد ولا يمكن الفصل بينهما لأنهما وجهان لعملة واحدة  . 

وقد ذكر مجموعة من القضايا التي يجب الاهتمام بها عند نظم الشعر ومنها: 

1- المبدأ الأخلاقي

اعتمد في فلسفته على المبدأ الأخلاقي عند نظم الشعر، ولذا يجب التفرقة بين الكلام الحسن والقبيح  وبين المعايير الأخلاقية واللا أخلاقية ويضيف أن الشعر لا يقتصر نظمه على امتلاك الموهبة فقط بل لابد له من أدوات تهذبه وتصقله ولذا يجب المران والاطلاع الوافي على شعر السابقين لاكتساب الخبرة حتى يكون الناتج  فيه من الحبكة والسبك والتجانس لفظا ومعنى ما يميز القصيدة. 

2- العقل والعاطفة

يلعب العقل دوره الرائد والمثمر في تنظيم المعاني وترتيب الأبيات وتهذيب العبارات وتنقيح الصور والتشابيه والاستعارات ويرى أن العقل لا يقبل الخطأ ولا الكذب ولا المجهول والعقل صاحب الحكم وهو محور العملية الابداعية وهو أيضا لا ينكر دور العاطفة في الشعر اذ يقول فإذا وافقت هذه الحالات تضاعف حسن موقعها عند من يسمعها ولاسيما إذا أبدت بما يجذب القلوب من الصدق عن ذات النفس ويكشف عن المعاني المختلجة فيها والتصريح بما كان يكتم منها.

3- الصدق النفسي

اعتمدت فلسفة ابن طباطبا على المنهج الفني والمنهج الاجتماعي والمنهج النفسي  وﻣن أوﻝ ﻣﺎ ﻳُﻼﺣظ ﻋﻠﻰ ﺗﺻور اﺑن طباطبا هوﺻﻳﺎﻏﺔ اﻟﻣﻌﻧﻰ وﺗرﻛﻳزﻩ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧب "اﻟﺻدق"، وﺟﻌْﻠﻪ ﺳﻣﺔ أﺳﺎﺳﻳﺔ ﻣن ﺳﻣﺎت اﻟﻣﻌﻧﻰ اﻟﺷﻌري. ﻓﺎﻷﺳﺎس اﻟﻌﻘﻠﻲ ﺣرﻳص ﻋﻠﻰ ﻣﺟﺎﻓﺎة اﻟﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﺗﻲ ﺗﺧﻠو ﻣن ﻫذﻩ اﻟﺳﻣﺔ، وﻣﺗﻌﻠق ﺑﺎﻟﻣﻌﺎﻧﻲ اﻟﺗﻲ ﺗواﻓرت ﻋﻠﻰ ﻋﻧﺻر "اﻟﺻدق"؛ ﻷﻧﻬﺎ أﻗرب إﻟﻰ ﻧوازﻋﻪ وطراﺋﻘﻪ.

4-  الوظيفة الاجتماعية للشعر

لابد للشعر أن يقدم جرعة من المعرفة للمتلقي وتأتي المعرفة في ثنايا نصه بطريقة غير مقصودة وربما يريد أن ينوه عن الرسالة التى تحملها القصيدة إلي المتلقي كي يتعلم منها أمرا ما. 

5- التشبيه

يري أن التشبيه قد يكون في أمر واحد وقد يكون في أكثر من أمر ومن حيث الضروب التي جعلها بن طباطبا للتشبيه هي : 1 / تشبيه الشئ بالشئ صورة وهيئة،  تشبيه الشئ بالشئ في الحركة بطئا وسرعة . 3 / تشبيه الشيء بالمعنى .

6- القوافي

يذكر أن القافية تنقسم سبعة أقسام؛ إما أن تكون على فاعل مثل: كاتب وحاسب وضارب، أو على فِعَال مثل: كتاب، أو على مَفْعَل مثل: مكتب، أو على فَعِيل مثل: حبيب، أو على فَعَل كذهب وحسب، أو على فَعْل مثل: ضرب وقلب، أو على فُعَيل ...